ثاني مؤتمر إيران الحرة 2025- إلى الأمام نحو جمهورية ديمقراطية

مريم رجوي: الحل لبرنامج تصنيع القنبلة الذرية: تغيير النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية
أيها النواب المحترمون!
أصحاب السعادة والحضور الكرام!
يسعدنا أن نستضيفكم اليوم في بيت المقاومة الإيرانية. فأهلاً وسهلاً بكم!
ونوجّه التحية لأخواتنا وإخواننا في أشرف 3 الذين يشاركوننا هذا الاجتماع من بُعد.
أيها الأصدقاء الأعزاء!
إن مقاومة الشعب الإيراني، المرتكزة على النضال والتضحيات ضمن حركة منظمة، وبسواعد جيلٍ شابٍ ثائر، تواصل كفاحها من أجل التغيير الجذري في إيران، لإسقاط الاستبداد الديني وإقامة جمهورية ديمقراطية.
الحل الحقيقي لقضية إيران
لقد أبرزت التطورات العاصفة خلال العام الماضي أكثر من أي وقت مضى الأهمية المحورية لبديل ديمقراطي يمثل الحل الحقيقي لقضية إيران.
ففي السنة الماضية، انهارت قوة النظام الإيراني في قاعدته الرئيسية التي بناها على مدى أربعين عاماً في سوريا رغم وجود مئة ألف عنصر من قواته العسكرية هناك.
كما أن وكيله الاستراتيجي، رغم امتلاكه ترسانة تضم 150 ألف صاروخ، فقد تعرّض لضربة قاصمة لا يمكن تعويضها، وتراجعت أذرعه الحربية والإرهابية في العراق إلى حالة من الشلل والانكماش.
والأهم من ذلك، أنّ هذا النظام يواجه داخل إيران موجة عارمة من التوترات السياسية، والغضب الشعبي، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية، في حين قاطع أكثر من 90٪ من المواطنين عروضه الانتخابية خلال العام الماضي.
ولكن، كيف دفعت هذه التحولات الكبرى بالنظام إلى مثل هذا الموقع الضعيف؟
الوضع الاقتصادي والاجتماعي الكارثي في إيران
اسمحوا لي أن أستعرض بإيجاز حال النظام الحاكم في إيران من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حتى تتضح لنا أبعاد هذا التدهور.
وللوقوف على عمق الكارثة الاقتصادية يكفي أن نستمع إلى بعض خطابات رئيس جمهورية خامنئي، حيث لا يكفّ عن التذمّر من مختلف أنواع الاختلالات:
اختلال في الميزانية، الطاقة، المياه، الكهرباء، الغاز، الأدوية، الخبز، التعليم، الخدمات الصحية، وسائل النقل العام، وغير ذلك الكثير.
إنّه يعترف بهذه النواقص الفادحة سعياً لتهدئة غضب الشعب المحتج، لكنه يتعمّد إخفاء الحقيقة الأهم: وهي كيف يُهدر الجزء الأكبر من ثروات البلاد في المشاريع النووية والصاروخية والحروب التي يثيرها النظام في المنطقة، وكيف أنّ عقوداً من النهب المنظم قد أدّت إلى مشكلات اقتصادية عميقة أصبحت خارج السيطرة.
اليوم، فإن كبريات المؤسسات المالية والاقتصادية التابعة للدولة قد أفلست أو أصبحت على شفا الإفلاس، من المصارف وشركات التأمين إلى مؤسسات الضمان الاجتماعي وصناديق التقاعد.
لقد حصل النظام الحاكم خلال السنوات الأربع الماضية على عائدات كبيرة من بيع النفط والمنتجات البتروكيماوية. لكن آلة القمع والحرب تبتلع كل تلك العائدات، ولا يصل منها شيء إلى أبناء الشعب المهضومة حقوقهم.
إن عجز الميزانية يتفاقم سنة بعد أخرى، وقد أنهك الحكومة الخاضعة لأوامر خامنئي بالكامل.
وأصبح التضخم المرتفع وسيلة لنهب جيوب المواطنين، حيث انهارت القدرة الشرائية للناس، وتحول الريال الإيراني إلى واحدة من أضعف العملات في العالم.
أما الاستثمار في العديد من القطاعات فقد اقترب من الصفر، وتزداد كل عام وتيرة هروب رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج.
ويمكن رؤية هذا الانهيار السريع في الاقتصاد الإيراني بوضوح من خلال النقص الحاد في الغاز والكهرباء. وكما تعلمون، تحتل إيران المرتبة الثالثة عالميًا في احتياطي النفط، والثانية في احتياطي الغاز. ومع ذلك، يتم استيراد جزء كبير من البنزين الذي تحتاجه البلاد من الخارج.
وقد بلغ عجز النظام عن تأمين الكهرباء والغاز حدًا يجعل مدن إيران تعيش يوميًا في الظلام لعدة ساعات.
ونتيجة لذلك، تعطلت أعمال الناس، واضطربت أنشطة المدارس والجامعات، وتوقفت الكثير من الوحدات الإنتاجية عن العمل، مما أطلق موجة جديدة من البطالة. لقد أنفق هذا النظام أكثر من 2000 مليار دولار على المشاريع النووية، في حين لا يتجاوز إنتاج الكهرباء من المفاعل النووي نسبة 2٪ من مجمل الكهرباء في إيران.
ولو كان النظام قد خصّص فقط 10٪ من هذه التكاليف لبناء محطات للطاقة الشمسية أو الغازية، لما كان الشعب الإيراني يعاني اليوم من كل هذا الفوضى والخراب في حياته اليومية.
تجتاح المجتمع الإيراني موجة مروّعة على شكل “تسونامي” من الحرمان، حيث جرى تجريد عشرات الملايين من المواطنين من احتياجاتهم الأساسية، ودفعهم إلى التشرد وانعدام المأوى.
لقد قضى هذا النظام على الأمان الوظيفي، وحرَم شرائح واسعة من الشعب من التأمين والعلاج. كما صَعَّب الوصول إلى التعليم، والإنترنت، والسكن، والنقل العام الرخيص. ومن خلال تقليل كلفة اليد العاملة إلى الحد الأدنى، دفع المجتمع إلى حافة الانفجار والعصيان.
أكثر من 95٪ من الشريحة التي تُقدّر بـ20 مليون عامل في البلاد باتوا يعملون بصورة غير رسمية، أي أنهم بلا استقرار وظيفي، وأعمالهم مؤقتة بلا مستقبل.
ربع السكان، نتيجة للفقر والتشرد، لجؤوا إلى الضواحي المحرومة، ولا شك أن الضحية الأولى في هذه الأوضاع هن النساء والأطفال.
نقص المياه، وفي بعض المناطق حتى مجاعة مائية، قد وضع شريحة كبيرة من سكان البلاد تحت ضغط خانق. المياه في إيران قضية سياسية بامتياز. نعم، لقد نُهبت المياه على يد الحرس الثوري، وسياسات خامنئي المعادية للوطن قد ألحقَت أضراراً جسيمة بالمصادر الاستراتيجية للمياه في البلاد.
وباختصار، يمكن تلخيص سمة المجتمع الإيراني في العداء العام للنظام. فالأغلبية الساحقة من الشعب، في أحاديثهم اليومية، يضعون أنفسهم في مواجهة النظام، ويقولون: “هم” و”نحن”.
لقد نشأ وادٍ عميقٌ لا يُردم بين الطرفين.
وخلال العقود الماضية، فرض النظام رقابة أمنية ومخابراتية مشددة على المصانع والجامعات عبر ميليشيا البسيج.
ومؤخرًا، تم توقيع اتفاق رسمي بين قوة الشرطة القمعية ووزير التربية والتعليم في النظام، لوضع المدارس والتلاميذ والمعلمين تحت سلطة جهاز القمع الأمني.
يُقدّر عدد الاعتقالات السنوية بما لا يقل عن مليون إلى مليون ونصف مواطن.
وخلال الأشهر العشرة من حكم بزشكيان وحده، تم تنفيذ أكثر من 1275 حكم إعدام، بينهم 170 شخصًا في شهر ارديبهشت الإيراني الماضي وحده.
لكن رغم كل هذا القمع والملاحقات، تبقى المدن الإيرانية مسرحًا يوميًا للاحتجاجات والإضرابات، من عمّال النفط والغاز والبتروكيماويات، إلى المزارعين والممرضين والمعلمين وعمال المناجم، وصولًا إلى الخبازين وسائقي الشاحنات والمتقاعدين.
ومنذ نحو عشرة أيام، دخل سائقو الشاحنات الشرفاء في 152 مدينة من أصل 31 محافظة في إضراب شامل، وارتفع صوتهم عاليًا ضد اللاعدالة.
إنهم اليوم صوت ملايين الملايين من أبناء الشعب الكادح الذين نهبهم هذا النظام. حقاً، لماذا لا يتلقى هؤلاء السائقون أي استجابة لمطالبهم، وهي من أبسط حقوقهم، ويُقابلون بدلاً من ذلك بالاعتقال؟
أتوجّه إلى الشعب الإيراني الشريف وأقول: تضامنا معهم، ادعموا هذا الإضراب العام! يجب الإفراج عن السائقين المعتقلين فوراً.
لقد بلغ السيل الزبى لدى الخبازين الشرفاء، الذين يكدحون لتأمين لقمة عيشهم ولقمة عيش الناس، بسبب غلاء الطحين وانقطاع الكهرباء وخراب جهودهم اليومية. وقد وجّهوا تحذيرًا واضحًا: لن يقفوا مكتوفي الأيدي.
وفي السجون أيضًا، لا تزال صيحات السجناء السياسيين تتردد كل يوم ثلاثاء في حملة “لا للإعدام”، دون انقطاع.
فهم، بشجاعتهم المتواصلة، يُلهِمون المجتمع الإيراني أسبوعًا بعد أسبوع.
وقد دخلت هذه الحملة مؤخرًا أسبوعها السبعين، وانتشرت في 45 سجنًا مختلفًا. التحية لهم جميعًا!
كما قال مسعود رجوي قائد المقاومة الإيرانية في 18 نوفمبر 2024: «كان الشاه يتحدث بشكلٍ هزلي ومتناقض عن ما أسماه “الثورة البيضاء”، وكان الشيخ، بمكره ونفاقه، يدّعي ما سمّاه “الثورة الإسلامية”.
أما نحن، فقد كنا وما زلنا وسنظل، منذ زمن بعيد، نناضل في بحر من النار والدم من أجل ثورة ديمقراطية جديدة، بمشاركة جميع فئات وطبقات الشعب المظلوم،
مهما كان الثمن، ومهما طال الزمن».
نعم، لن يطول الوقت حتى تتحوّل نيران الغضب المكبوت لدى الشعب الإيراني إلى انتفاضة منظمة، تتقدّها وحدات الانتفاضة، لتحرق عرش هذا النظام الظالم وتحوّله إلى رماد.
المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية: البديل الجاهز
إن أخطر ما يواجهه النظام الإيراني اليوم هو وجود بديل قوي وجاهز، يتمثل في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الذي يُجسد تطلعات الشعب الإيراني إلى الحرية والديمقراطية.
هذا البديل يمتلك كل المقوّمات الضرورية لإسقاط الديكتاتورية الدينية، ويقود نضالًا فاعلًا ومتفانيًا من أجل تنظيم انتفاضة شعبية كبرى لإسقاط النظام.
إنها معركة قوية، تمضي بثبات نحو النصر، مستندة إلى الجيل الشاب المنتفض في إيران، وفي طليعتها مجاهدو الحرية ووحدات الانتفاضة.
ورغم أن أنشطة وعمليات وحدات الانتفاضة تخضع لرقابةٍ كاملة في الإعلام الغربي، فإنها تمضي قُدماً بصفتها القوة الطليعية في هذا النضال، وهذا ما يُرعب الملالي.
لقد دبّ الرعب في قلوبهم من توجّه الجيل الشاب المتزايد نحو منظمة مجاهدي خلق وهذه المقاومة.
والمحاكمات الغيابية التي تُعقد كل أسبوعين في طهران بحق 104 من أعضاء ومسؤولي المقاومة والمجاهدين ليست سوى انعكاس لهذا الرعب.
شبكة مجاهدي خلق الواسعة في قطاعات المجتمع المختلفة مكّنتها من الوصول إلى أدقّ المعلومات السرّية في النظام.
وبفضل هذه الشبكة، تمكن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية قبل ثلاثة أسابيع في واشنطن من كشف أحد المواقع النووية السرية للنظام في سمنان.
النظام الكهنوتي في مفترق طرق: الانتحار أو الموت
طوال 34 عامًا، لم تسمح المقاومة الإيرانية، عبر كشفها المتواصل للمواقع والمشاريع النووية السرّية للنظام، بأن يُفاجأ العالم بامتلاك ديكتاتورية إرهابية لقنبلة نووية.
ففي عام 2002، كشفت المقاومة عن موقعي نطنز وأراك النوويين السريين، الأمر الذي أجبر خامنئي حينها على تعليق تخصيب اليورانيوم مؤقتًا، والسماح بإغلاق بعض المواقع تحت إشراف دولي.
لذا يجب على العالم أن يكون يقظاً، وأن يمنع، من خلال سياسة حازمة، تكرار خداع الملالي ومراوغتهم. أعلنت وكالات الأنباء اليوم أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكرت في تقريرها الجديد أن مخزون النظام الإیراني من اليورانيوم المخصب قد بلغ نحو عشرة أطنان. والأهم من ذلك أنها كشفت أن النظام نقل مواد نووية ومعدات ملوثة إشعاعياً إلى مكان مجهول. نعم، إنّ المشروع النووي قد وضع هذا النظام، بحسب تعبيرهم هم، أمام مفترق انتحار أو هلاك.
واليوم، يقرّ النظام نفسه بأن مشروعه النووي قد بلغ مفترق طرق: الانتحار أو الهلاك.
الخيار الأول: أن يتخلى خامنئي عن هذا المشروع المعادي للوطن ويوقف التخصيب. لكنه طالما تهرّب من هذا المسار، لأنه ربط بقاء النظام بهذا المشروع. فأي خطوة للتراجع عنه تعني نسف هيمنة المرشد، وتسريع سقوط النظام برمّته. أما الخيار الثاني هو الاستمرار في محاولة الحصول على القنبلة الذرية. وإصرار النظام على توسيع برنامجه الصاروخي ومشاريعه الذرية، إلى جانب مواصلة إرهابه المنظم، يؤكد مضيه في هذا الطريق.
وقد كُشف مؤخرًا عن أحدث عمليات إرهابه في بريطانيا.
نعم، النظام الذي يدعم الهجمات الصاروخية على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، والنظام الذي يمعن في الإعدامات والتعذيب بشكل متزايد وواسع النطاق، لا يسير إلا في طريق الانتحار السياسي.
ولكن، كما قلتُ سابقًا: هذه استراتيجية وصلت إلى طريق مسدود. ومصير استراتيجية خامنئي هو: الانتفاضة… ثم السقوط.
دعم مقاومة الشعب الإيراني
وفي هذا السياق، أوجّه التحية إليكم جميعًا، أنتم النواب والمشرّعون الذين كنتم وراء بيانات دعم صادرة عن أغلبية برلمانات: إيطاليا، النرويج، مولدوفا، آيسلندا، كوستاريكا، ومجلس الشيوخ الهولندي، إضافة إلى برلمانات ولايات براندنبورغ وساكسونيا في ألمانيا…التحية لكم على دعمكم لمقاومة الشعب الإيراني.
بما يعود إلى السياسة الدولية، فإن وصول الأوضاع في إيران إلى هذه المرحلة، أسقطَ كلّ الخيارات الوهمية التي أثبتت فشلها في الساحة الدولية.
قضية إيران لا حلّ لها إلا واحدًا: إنه بيد الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية. فإرهاب هذا النظام وإثارته للحروب في المنطقة لا يمكن وقفه إلا بتغيير النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية. كما أن برنامج تصنيع القنبلة النووية ليس له إلا مخرج واحد: إسقاط النظام بيد الشعب والمقاومة الإيرانية.
ومن هنا، فإن دعوتنا لأوروبا والعالم ملحّة وواضحة في هذا الصدد:
إدراج حرس النظام الإيراني على قوائم التنظيمات الإرهابية؛ الاعتراف بشرعية نضال الشعب الإيراني لإسقاط نظام الملالي؛ الاعتراف بكفاح وحدات الانتفاضة ضد الحرس المجرم. نعم، إن حرية إيران هي ضمان السلام في المنطقة والأمن في العالم.
وكما قال مسعود رجوي فی 18 نوفمبر2024:
«إنّ إيران تصارع في قبضة الشياطين المعمّمين وسط الإعدام والفقر والفساد والظلام، لكن في النهاية، لا بدّ أن يتحوّل أجملُ وطن إلى بستان من الحرية والعدالة».