البرلمان الأوروبي – ستراسبورغ – بناء ديمقراطية حقيقية ومتقدمة

مريم رجوي: بناء ديمقراطية حقيقية ومتقدمة
أيها النواب المحترمون في البرلمان الأوروبي، أصحاب السعادة الكرام!
يسعدني أن ألتقي بكم في بيت شعوب أوروبا، وأتقدّم إليكم بخالص الشكر على حضوركم هنا دفاعًا عن حقوق الإنسان، ومن أجل المقاومة وحرية إيران.
إنّ الحرب التي بدأت فجر يوم الجمعة 13 حزيران / يونيو، تمثل بداية مرحلة خطيرة في أوضاع إيران وتطورات المنطقة.
لا بد أن أؤكّد أن الحرب الرئيسية التي تدور منذ 44 عامًا، وتحديدًا منذ 20 حزيران / يونيو 1981، هي حرب الشعب الإيراني ومقاومته ضدّ سلطة الفاشية الدينية، ولا حلّ لها سوى إسقاط هذا النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية.
فيما يتعلق بالملف النووي، فقد خاطبنا خامنئي مرارًا ونكرّر مجددًا: تفضل إلى طاولة المفاوضات وتخلَّ عن القنبلة النووية. لكن خامنئي، وكما كرّر اليوم أيضًا في رسالته المتلفزة، يرفض ذلك، لأنه يعتبر القنبلة النووية ضمانًا لبقائه ووسيلة لفرض الهيمنة في المنطقة، ويرى أن التراجع عنها هو الطريق الأقصر نحو سقوطه. إنه يدفع الثمن كاملًا على حساب الشعب الأعزل، ويغرقه في الحرب والقلق وانعدام الأمن والتشرّد من أجل الحفاظ على النظام. لكنّ الشعب الإيراني لن يترك لهذا النظام فرصة للبقاء.
بعد يومين، نصل إلى الذكرى السنوية لانطلاق المقاومة الوطنية الشاملة ضدّ الفاشية الدينية. ويُصادف هذا اليوم أيضًا يوم الشهداء والسجناء السياسيين في إيران.
كلمتا ”الشهداء“ و”السجناء السياسيين“ تختزلان قصة مؤلمة عن فقدان أزهى زهور المجتمع الإيراني، وهما أيضًا رمز لمقاومة شعب رفض الخضوع للفاشية الدينية، ويدفع ثمن ذلك مرفوع الرأس، وهو واثق من أنّه سينتصر وسينال الحرية.
وخلال العقود الأربعة الماضية، نادرًا ما واجه الملالي مثل هذا الخطر على بقاء نظامهم كما هو الحال اليوم. ولهذا السبب، اندفعوا إلى شنّ حرب ضد الشعب الإيراني عبر تصعيد موجة الإعدامات.
منذ وصول بزشكيان إلى السلطة، تمّ إعدام 1350 سجينًا. وقد بلغ عدد الإعدامات منذ بداية عام 2025 ما يُقارب 650 شخصًا، وهو ما يعادل ضعفي ونصف عدد الإعدامات في نفس الفترة من العام الماضي. يوجد نحو 60 سجينًا سياسيًا تحت حكم الإعدام، ويُتَّهم عدد كبير منهم بالعضوية في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية. جريمتهم هي المطالبة بمجتمع حرّ، ديمقراطي، عادل، ومنظّم.
وفي مواجهة هذه الإعدامات، يرتفع صراخ شعبنا يومًا بعد يوم. إنّه صوت شجاع يتردد صداه منذ أكثر من عام داخل إيران وعلى مستوى العالم. وفي المقابل، يصعّد جلاوزة خامنئي من الانتهاكات اللاإنسانية بحقّ السجناء تحت ذرائع مختلفة. مريم أكبري منفرد تقبع في السجن منذ 15 عامًا. جريمتها الوحيدة أنّها من عائلة شهداء من مجاهدي خلق. ذنبها هو المطالبة بالعدالة لضحايا المجازر. لم يكتفِ الملالي بالإعدامات في الداخل، ولا بالاغتيالات في الخارج. فهم في الوقت ذاته يُجرون محاكمة غيابية تستهدف منظمة مجاهدي خلق 104 من أعضائها ومسؤوليها. والهدف من ذلك هو، من جهة، بثّ الرعب في نفوس جيل الشباب الذي نهض ضدّ النظام وانضمّ إلى وحدات الانتفاضة، ومن جهة أخرى، التمهيد لتنفيذ عمليات إرهابية ضد أعضاء المقاومة في الخارج، والضغط على الدول التي تستضيفهم. لكن لا التعذيب ولا المشانق قادرة على وقف مسيرة الشعب الإيراني نحو إقامة ثورة ديمقراطية. كما قال قائد المقاومة الإيرانية مسعود رجوي في الأيام الأخيرة: “إنّ الشعب الإيراني، مع أبنائه الشجعان، يستعدون لخوض المعركة الحاسمة عبر الانتفاضة وإسقاط النظام[1].”
الحل الثالث
إنّ حركتنا قد رفعت منذ أكثر من عقدين راية الحل الثالث لقضية إيران؛ أي أن الحل لا يكمن في مسايرة الملالي، ولا في الحرب والتدخّل العسكري، بل في التغيير الديمقراطي على يد الشعب الإيراني ومقاومته. لقد أقرّ المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ أربعة عقود برامج وخططًا مفصّلة من أجل إيران حرّة في الغد، وكنتُ قد أعلنتُ ملخّصها لأول مرة في برنامجٍ من عشر نقاط عام 2006 أمام المجلس الأوروبي. [2] وتتلخّص أهمّ محاور هذا البرنامج في ما يلي: إقامة جمهورية تقوم على فصل الدين عن الدولة، المساواة بين المرأة والرجل، الحكم الذاتي للقوميات، إلغاء حكم الإعدام، سلطة قضائية مستقلّة، وإيران غير نووية تكون دائمًا مدافعة عن السلام في منطقة الشرق الأوسط.
دعوني أشرح بإيجاز المبادئ الأساسية لهذه الرؤية:
أولًا، ما نسعى إليه في هذا البرنامج هو بناء ديمقراطية حقيقية ومتقدمة. وهذه الديمقراطية يتم ضمانها من خلال المشاركة المباشرة لجميع المواطنين في تقرير مصيرهم. وقد عبّر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية عن التزامه بهذه المبادئ من خلال ”الاعتراف بحقّ الشعب في اتخاذ القرار وفي تقرير مصيره بنفسه.“ من وجهة نظرنا، يجب أن تكون الحكومة خاضعة لمحاسبة الشعب، ويجب أن يكون النقد العام مسموحًا به، بحيث لا يستطيع أحد استخدام سلطته لإجبار الناس أو ترهيبهم. إنّ طريقة إدارة شؤون البلاد، من إدارة محافظة إلى مدينة أو أي وحدة أخرى، يقرّرها مجلس تأسيسي. لكن المبدأ الذي نؤكّد عليه هو نظام ديمقراطي، بحيث لا تُحصر السلطة في أي نقطة، بل يتمّ توزيعها على نطاق واسع بين أبناء الشعب.
ثانيًا، فيما يتعلّق بأحد أبرز التحدّيات في النظام الديمقراطي، أي اختلاف التوجّهات السياسية، فإننا نطالب بإقامة نظام تعدّدي. لكن كيف يمكن للديمقراطية أن توفّق بين هذه التوجّهات المختلفة؟
يقدّم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الحلّ في برنامجه، حيث يشترط أن “يخضع جميع المسؤولين لاختبار الشرعية الديمقراطية عبر الاستفتاء والانتخابات العامة.” ويؤكّد المجلس أيضًا على “ضرورة ترسيخ أسلوب النقاش الحرّ والإقناع العام في المجتمع”. كما أنّ المبدأ الأساسي الذي نتمسّك به هو أنّ حقوق الأقليات يجب ألا تُنتهك، بل ينبغي احترام الهويّات السياسية، القومية، الدينية والثقافية، وضمان مشاركتها السياسية الفعّالة مع التمتّع بكامل حقوق المواطنة. ويجب أن تكون هذه الجماعات قادرة على الحفاظ على ثقافتها ولغتها وقيمها ومعتقداتها ونشرها بكلّ حرية. فهذا من مستلزمات إقامة ديمقراطية مستقرّة، وهو أيضًا شرط أساسي لوحدة إيران وتماسكها الإقليمي.
ثالثًا، بعد إسقاط النظام، ما هو مسار نقل السلطة الذي نعتبره الضامن لتحقيق الديمقراطية؟ بحسب رؤية المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فإنّ الروح الأساسية لهذا المسار هي الديمقراطية.
فالحكومة المؤقّتة، التي تنبثق من حركة المقاومة، تُنهي مهمّتها في حدّ أقصاه ستة أشهر. وتتمثّل مهمّتها الأساسية في تنظيم انتخابات حرّة ونزيهة لانتخاب مجلس تأسيسي. هذا المجلس سيكون مسؤولًا عن صياغة دستور الجمهورية الجديدة، كما سيقوم بتعيين حكومة تتولّى إدارة شؤون البلاد. وبالتالي، فإنّ الحكومة الجديدة ستكون منبثقة عن خيار الممثّلين المنتخبين للشعب، وتكون هذه الحكومة، رغم إدارتها لكلّ المؤسسات التنفيذية، خاضعة لسلطة المجلس التأسيسي.
رابعًا، ما هي مرتكزات المقاومة وقدرتها على تنفيذ هذه الخطوط؟ إنّ قدرة هذه المقاومة قد خضعت للاختبار على مدى عقود. نحن أمام حركة منظّمة، تضمّ شبكة من آلاف وحدات الانتفاضة في مدن إيران، وتتمتّع بـالاستقلال المالي، وبصفّ طويل من الكوادر المتخصّصة والملتزمة، هؤلاء هم بناة إيران الحرّة في الغد. أشرف 3 في ألبانيا يحتضن مجاهدين من أجل الحرية، ومن بينهم ألف امرأة بطلة،
تتولّى النساء منهن منذ أكثر من أربعة عقود مواقع قيادية ومحورية في هذه المقاومة. وجودهنّ ونضالهنّ يشكّل مصدر إلهام لنساء إيران في كفاحهنّ من أجل الحرية والتحرر. هذه القدرة تشمل أيضًا رؤية سياسية واضحة، كانت وراء فضح مسرحية الإصلاح الزائف داخل النظام، ورسمت خطّ فاصلًا واضحًا مع ديكتاتورية الشاه، ودافعت عن شعار “لا لنظام الملالي ولا لنظام الشاه“، فارتقت بكفاح شعبنا نحو الحرّية. إنّ هذا المسار هو عصارة آلام وتضحيات شعبنا منذ الثورة الدستورية قبل 120 عامًا وحتى اليوم. نحن لا نسعى إلى السلطة بأيّ ثمن، بل نهدف إلى ضمان الحرية والديمقراطية والاختيار الحرّ للشعب، مهما كان الثمن.
إنّها مقاومة من أجل إحياء القيم الإنسانية والأخلاقية. وكما قال قائد هذه المقاومة مسعود رجوي: ”مهمّتنا هي الجمع بين السياسة والشرف“[3]. وفي هذه اللحظة المصيرية، نتوقّع من البرلمان الأوروبي أن يتولّى زمام هذه المبادرات، وأن يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بنضال الشعب الإيراني من أجل إسقاط النظام، وبمشروعية كفاح شباب إيران ضد قوات الحرس.
[1] – 13 حزيران/ يونيو 2025
[2] – كلمة في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروباـ استراسبورغ، لقاء رسمي لمدة 3 أيام من 10إلى 12 أبريل 2006
[3] – 21 يوليو 2023