مؤتمر في الدائرة الباريسية السابعة عشرة

مريم رجوي: برنامج المقاومة الإیرانیة لضمان حقوق الإنسان والحریات في إیران الغد
السيد العمدة بولاق
السيدات والسادة المنتخبين، السيدات والسادة، أيها الأصدقاء الأعزاء
في 26 آب / أغسطس 1789، أقرّت الجمعية التأسيسية الوطنية في فرنسا إعلان حقوق الإنسان والمواطن بوصفه إنجازًا تاريخيًا للبشرية جمعاء.
فهل يمكن تصوّر أن تكون الحكومات اليوم في حالة مهادنة مع نظام ينتهك هذا الإعلان برمته؟
في بلادي، يقوم نظام الملالي منذ أكثر من أربعة عقود بقمع وقتل الشعب الإيراني من دون أن يتعرّض لأي عقاب.
حصيلة النظام: مجازر وإعدامات
قبل أسابيع قليلة، أُعدم النظام المجاهدَين بهروز إحساني ومهدي حسني. كما حُكم على 14 سجينًا سياسيًا آخر بالإعدام بسبب عضويتهم في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية.
وفي تموز / يوليو وحده، نُفّذت 114 عملية إعدام على الأقل.
وخلال عام واحد فقط من فترة بزشكيان – الذي قدّم نفسه على أنه “معتدل” – أُعدم نحو1630 شخصًا.
هناك سببان رئيسيان وراء دوافع هذا النهج الجنوني للنظام:
الأول النظام یخشی الشعب ویقلق من فقدان السيطرة على الأوضاع.
الشعب يعاني يوميًا: لا كهرباء، لا ماء، لا خبز، والأسعار باهظة جدًا. الاحتجاجات اليومية تعمّ مختلف المناطق. خرج أهالي شيراز وكازرون إلى الشوارع هاتفين: “حرية، حرية”. لكن الحرس هاجمهم بعنف.
بالنسبة إلى الديكتاتورية الدينية، الإعدام والقمع هما السبيل الوحيد لمنع الانتفاضة الشعبية.
والسبب الآخر هو الإفلات من العقاب وانعدام المساءلة. فالمسؤولون عن الجرائم اليوم هم أنفسهم الذين ارتكبوا المجازر في ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة في مجزرة عام 1988، ولم يُحاسَبوا أبدًا.
في ثمانينيات القرن الماضي، أعدم النظام عشرات الآلاف من معارضيه.
وفي عام 1988، أصدر خميني فتوى أدت إلى مجزرة 30 ألف سجين سياسي، كان معظمهم من مجاهدي خلق.
کتاب (إبادة مجاهدي خلق- مجزرة عام 1988 في المدن) یعطي صورة عن مجزرة عام 1988 في 26 محافظة إيرانية.
عدد قليل جدًا تجرّأ على الحديث عن هذه الجريمة الجماعية.
في تقريره الختامي في تموز / يوليو 2024، وصف البروفيسور جاويد رحمان – المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في إيران – إعدامات الثمانينيات بأنها جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.
وطالب الدول بمحاكمة مسؤولي النظام على هذه الجرائم. لكن المجتمع الدولي لم يُبدِ أي رد فعل.
تخريب قبور شهداء مجاهدي خلق
في ۱۰ آب / أغسطس، أنكر رئيس السلطة القضائية في نظام الملالي وجود سجناء سياسيين في سجون خامنئي. الهدف من هذه الأكاذيب هو إنكار أبسط حقوق السجناء السياسيين. نظام الشاه السابق كان بدوره ينفي وجود سجناء سياسيين في إيران، لكن بعد الثورة تبيّن للجميع أنه مارس أبشع أشكال التعذيب بحقهم.
اليوم، لا يقل عن ۳۷۰۰ سجين سياسي في مختلف أنحاء البلاد يتعرضون للضغط والاضطهاد المستمر، حيث يعمد نظام الملالي إلى:
•الاعتداءات الوحشية الجماعية على السجناء العزّل،
•حبسهم في أقفاص،
•نقلهم إلى زنازين انفرادية في مواقع سرّية،
•حرمان السجناء المرضى من العلاج،
•تلفيق ملفات كيدية لزيادة مدة أحكامهم،
•خطفهم ونفيهم لتشديد ظروفهم.
كما يُحكم على أنصار مجاهدي خلق بالإعدام بشكل متكرر، فيما تُمارس ضد عائلاتهم أشكال من التعذيب النفسي. السجانون يدفنون المعدومين سرّاً، وتُعتقل عائلات السجناء وتُصادر ممتلكاتهم.
الأسبوع الماضي، وفي خطوة لا إنسانية جديدة، أعلن النظام عزمه تحويل القطعة 41 من مقبرة طهران إلى موقف للسيارات. في هذه القطعة يرقد أعضاء مجاهدي خلق الذين أُعدموا في ثمانينات القرن الماضي. إنهم يسعون لطمس آثار جريمة الإبادة الجماعية.
المسؤول الأول عن كل هذه الجرائم هو علي خامنئي، ما يثبت أن النظام يعيش حالة من الرعب أمام المقاومة المتنامية في عموم البلاد.
خلال العام الماضي، تكررت احتجاجات السجناء السياسيين، وكان من أبرزها إطلاق حملة “ثلاثاء لا للإعدام” في كانون الثاني / يناير 2024 من داخل سجن قزل حصار، والتي تتواصل اليوم عبر إضرابات عن الطعام كل يوم ثلاثاء في50 سجناً في إيران.
الوقت قد حان لتغيير سياسة الغرب تجاه قضیة إيران
أيها الأصدقاء الأعزاء،
إن قضية إيران ليست ملفًا نوويًا أو صاروخيًا فحسب. لم يعد مقبولًا أن تُغضّ الأنظار عن حقوق الإنسان وحق الشعب الإيراني في أن يعيش حرًا. السياسة التي اعتمدها الغرب طوال العقود الأربعة الماضية وصلت إلى طريق مسدود، والسبب هو تجاهل أهم عنصر في المعادلة: الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة.
لقد قلنا دائمًا: الحل ليس في حرب خارجية، وليس في سياسة الاسترضاء والمهادنة، بل في إسقاط النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية. وحان الوقت كي تغيّر الدول الغربية سياستها.
أيها الأصدقاء الكرام،
أمس، في 25 آب / أغسطس، صادف ذكرى تحرير باريس؛ اليوم الذي حررت فيه قوات فرنسا الحرة، مدعومة بالمدرعات بقيادة الجنرال لوكلير، العاصمة من الاحتلال. وفي اليوم التالي، 26 آب، دخل الجنرال ديغول جادة الشانزليزيه وسط حشود الشعب الباريسي.
المقاومة، ومعها الشعار الوطني “حرية – مساواة – إخاء”، هي القيم الجوهرية للجمهورية الفرنسية. ونحن نعرف فرنسا من خلالكم، أنتم الذين تدافعون عن هذه القيم، أنتم الذين تدعمون مقاومة الشعب الإيراني وتقفون إلى جانب الشعب الإیراني.
إن المقاومة الإيرانیة انتفضت من أجل العدالة وحقوق الإنسان، ومن أجل إيران بلا إعدام، بلا تعذيب، بلا رقابة، وبلا أحكام الشريعة التي يفرضها الملالي. إيران تحترم جميع الأديان والمعتقدات على أساس القانون الدولي، وتكرّم حقوق المرأة.
نحن نقول بوضوح:
لا للحجاب الإلزامي – لا للدين القسري – لا لحكم الجور.
ولن يطول الزمن حتى تتحرر طهران بيد الشعب وقوات المقاومة، ويومها سنستقبلكم في إيران حرّة، كما استقبلت باريس أصدقاءها يوم تحررت.
العدالة والقضاء في إيران الغد
الأصدقاء الأعزاء،
لقد تحدثتُ عن الظروف المأساوية للشعب الإيراني والسجناء السياسيين، وكذلك عن انتهاكات حقوق الإنسان في ظل دكتاتوريتي الشاه والملالي.
والآن اسمحوا لي أن أذكّر باختصار ببرنامج المقاومة الإيرانية من أجل ضمان حقوق الإنسان والحريات في إيران الغد.
السؤال المطروح هو: كيف يمكن ضمان احترام حقوق الإنسان في المستقبل؟
من وجهة نظرنا، إضافةً إلى الحرية والديمقراطية، فإن العدالة هي الركيزة الأساسية لأي حكم ديمقراطي.
فإن لم تتحقق العدالة في النظام المستقبلي لإيران، فإن الفوضى والانتقام والدكتاتورية ستحلّ محل القانون.
في مطلع هذا الشهر أقدم النظام على تجريف قبور شهداء مجاهدي خلق في مقبرة بهشت زهراء بطهران – القطعة 41 – باستخدام الآليات الثقيلة.
وبعد افتضاح هذه الجريمة، اعترف نائب عمدة طهران بأن تدمير القبور تمّ بأوامر مباشرة من كبار مسؤولي النظام، والهدف تحويل المكان إلى موقف للسيارات.
هذا القرار صادر عن أعلى سلطة في النظام، أي خامنئي نفسه، الذي يسعى إلى طمس آثار الجرائم ضد الإنسانية.
النظام أخفى مواقع مقابر ضحايا مجزرة عام 1988، لكن منظمة مجاهدي خلق كشفت مواقع المقابر السرية في 36 مدينة.
وخلال السنوات الماضية دمّر النظام العديد من مقابر الشهداء في مدن تبريز، الأهواز، مشهد، وطهران.
وبحسب القانون الدولي، فإن محو آثار الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية يُعتبر امتدادًا لهذه الجرائم ومشاركة فيها.
في بداية حديثي، شرحت حول کتاب (إبادة مجاهدي خلق- مجزرة عام 1988 في المدن). حیث جُمعت وثائقه بشق الأنفس، بحيث يثير كل قارئ له الدهشة والذهول؛ سواء من حجم الجرائم غير المسبوقة التي ارتكبها هذا النظام، أو من عظمة صمود خيرة أبناء هذا الشعب الذين خلّدوا كرامة الإيرانيين في مواجهة وحش الاستبداد الديني.
نحن لا نغفر ولا ننسى.
وسيستمر الحراك الكبير من أجل العدالة حتى يتم الكشف عن جميع الأسماء ومواقع قبور شهداء مجزرة 1988 في طهران وسائر المدن الإيرانية.
وأنتم جميعًا يمكنكم أن تساهموا في هذه الحملة الكبرى للعدالة.
إن الجرائم التي يرتكبها نظام الملالي لا تقتصر على داخل إيران فحسب، بل تمتد إلى الخارج أيضًا. فاليوم أقدمت أستراليا، بسبب الأنشطة الإرهابية لهذا النظام، على طرد سفير الملالي من أراضيها. إن طرد سفير الفاشية الدينية الحاكمة في إيران من أستراليا خطوة إيجابية وضرورية في إطار مكافحة الإرهاب المنظم الذي يرعاه هذا النظام.
لقد دعت المقاومة الإيرانية منذ أكثر من ثلاثة عقود إلى إغلاق سفارات وممثليات الديكتاتورية الدينية ومراكزها التابعة التي ليست سوى أوكار للإرهاب والتجسس. وكان ينبغي القيام بهذا الإجراء منذ وقت طويل، وعلى الدول الأخرى، ولا سيما الأوروبية منها، أن تحذو حذو أستراليا.
وقد اعترف ظريف، وزير خارجية النظام الأسبق، في آخر سنة من ولايته، قائلاً: «سفارات النظام لها بنية أمنية، والأجندة التي حُددت لوزارة الخارجية منذ البداية كانت أمنية بالدرجة الأولى».
إن إرهاب هذا النظام في الخارج ليس سوى استمرار لنزيف الدم وانتهاك حقوق الإنسان الذي يمارسه داخل إيران.
إن الدماء التي أُريقت في سبيل حرية إيران، والمعاناة التي تكبدها الشعب الإيراني طوال العقود الأربعة الماضية، قد أثمرت في برنامج المقاومة الإيرانية من أجل بناء إيران حرّة.
وبموجب هذا البرنامج، فإن إيران الغد الحرة يجب أن تكفل لشعبها جميع الحريات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والاتفاقيات الدولية، بما في ذلك: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
إن المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ملتزم بالدفاع عن تنفيذ جميع مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنها:
•إلغاء عقوبة الإعدام؛
•الحظر المطلق لأي شكل من أشكال التعذيب؛
•حرية كاملة للتعبير والعقيدة والمذهب والصحافة ووسائل الإعلام الإلكترونية والأحزاب والنقابات؛
•تحويل الإذاعة والتلفزيون إلى منابر لنشر الأخبار والمعلومات وفتح النقاش الحر دون رقابة؛
•إلغاء قوانين الشريعة التي يفرضها الملالي؛
•نزع سلاح وحلّ قوات الحرس، ميليشيا البسيج ووزارة المخابرات، وكذلك إلغاء محاكم الثورة ونیابة الثورة الإسلامية وسائر الأجهزة القمعية؛
•ضمان الأمن القضائي لجميع المواطنين؛
•إنشاء نظام قضائي مستقل قائم على مبدأ البراءة، وحق الدفاع، وحق التقاضي، والحق في محاكمة علنية، واستقلال كامل للقضاة.
أيها الأصدقاء،
إن ما نطمح إليه وما يريده الشعب الإيراني هو بناء مجتمع يقوم على أساس حقوق الإنسان، الحرية، الديمقراطية والمساواة.
هذا ليس حلمًا بالنسبة لنا، بل هو هدف دفعنا في سبيله ثمناً باهظًا من معاناة السجون والتعذيب وحملات التشويه، ولن نتوانى عن أي تضحية لتحقيقه.
فالحرية جَوهرة ثمينة لا تنال إلا بجهد ومعاناة عظيمة.
ومن أجل حرية إيران، سنبقى صامدين حتى النهاية.
- الوسوم:انتفاضة إيران, حقوق الإنسان, مجاهدي خلق, نظام الملالي