21 أبريل 2025

عقود من المقاومة: قصة مروّعة عن تعذيب امرأة في عهد الشاه تكشف الستار عن تاريخ إيران المظلم

Catégories // مختارات

عقود من المقاومة: قصة مروّعة عن تعذيب امرأة في عهد الشاه تكشف الستار عن تاريخ إيران المظلم

مقتطف من مقال بقلم هولي ماكي – موقع “هات إير”
باريس، فرنسا – بعد خمسين عامًا، لا تزال الناشطة المعارضة للنظام الإيراني، عزيز رضائي، تحتفظ بآثار التعذيب على قدميها النحيفتين. ومع ذلك، فإن سنوات القمع والسجن السياسي التي عاشتها هذه المرأة البالغة من العمر 96 عامًا لم تأت من قبضة الملالي الحديدية، بل على يد سلفهم محمد رضا شاه بهلوي؛ وهي حقيقة تكشف عن حقبة من تاريخ إيران غالبًا ما صُوّرت في كتب التاريخ كرمز للحرية والتقدم بطريقة مثالية ومغلوطة.
تقول لي عزيز من شقتها الصغيرة في ضواحي باريس:
«إيران كانت بلدًا جميلاً – لكن فقط للأثرياء، وليس لغالبية الشعب الإيراني، وهذه هي قصة الثورة. لم يكن هناك سوى حزب واحد – ولم يكن بالإمكان وجود أي معارضة».
وُلدت عزيز، التي عُرفت باسم زهرا نوروزي، في طهران عام 1929، وتزوجت وهي في سن الرابعة عشرة، وأنجبت أول طفل من بين تسعة أطفال، وهو ابنها حسن، الذي توفي بعد وقت قصير من ولادته بسبب إصابته بالتهاب رئوي.
ومع ذلك، لم تكن تلك المأساة سوى بداية لما هو آتٍ.
تقول رضائي إن معاناة شعبها بدأت في أوائل خمسينيات القرن الماضي، عندما أطاح الغرب بأول رئيس وزراء منتخب ديمقراطيًا في إيران، محمد مصدق، الذي قام بتأميم صناعة النفط الإيرانية. وقد أدّى هذا القرار، إلى جانب سياساته القومية الأخرى وخوف الغرب من الشيوعية، إلى انقلاب عام 1953، الذي دعمته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) تحت الاسمين الرمزيين “آجاكس” و”عملية بوت”، وأسفر عن الإطاحة بمصدق وإعادة الشاه إلى الحكم كسلطة مطلقة بعد أن كان مجرد زعيم رمزي.
تتذكر عزيز قائلة: «ثم بدأ ابني أحمد، عندما كان في المرحلة الثانوية، ينشط ضد نظام الشاه، ومنذ ذلك الوقت تغيّرت حياتنا تمامًا».
وفي السنوات المضطربة التي تلت ذلك، فقدت عزيز ثلاثة أبناء وبنتين بسبب قمع الأنظمة المتعاقبة في إيران؛ أربعة منهم في عهد الشاه، وواحد في عهد “آية الله”. كما قتل رجال الشاه أحد أصهارها، مثلما فعل رجال الملالي أيضًا لاحقًا.
ما كانت جريمتهم؟ الانتماء إلى منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، وهي جماعة معارضة تأسست في عام 1965. وربما كانت أبرز جريمة ارتكبها نظام الشاه هي تأسيسه جهاز الشرطة السرية “السافاك” (منظمة الاستخبارات والأمن القومي)، الذي نشأ بعد أن أحكم الشاه سلطته. هذا الجهاز الأمني الداخلي القوي مارس قمعًا وحشيًا ضد كل من اعتُبر معارضًا للسياسات الرسمية أو غير الرسمية للنظام.

بعد أشهر من التعذيب والهروب الأخير من السجن، قُتل ابن عزيز، رضا، في 15 حزيران / يونيو 1973 خلال اشتباك في الشارع مع جهاز السافاك، وكان ابنها الآخر، أحمد، قد قُتل قبل ذلك بثمانية عشر شهرًا في ظروف مشابهة. وفي عام 1975، قُتلت ابنتها صديقه أيضًا برصاص السافاك أثناء محاولتها الفرار من الاعتقال. وقد أقرت عزيز بأن تقبّل حقيقة أن أبناءها لن يضطروا مجددًا لتحمّل وحشية السافاك كان، بطريقة ما، أيسر من احتمال رؤيتهم يعذبون مرة أخرى.

aziz-reazaei-martyrs

وبحسب شخصيات من المعارضة، فإن الفترة الممتدة من عام 1963 إلى 1979 خلال حكم الشاه اتسمت بإجراءات قمعية صارمة ضد المعارضين السياسيين. آلاف المعارضين تعرّضوا للتعذيب أو أُعدموا، بينما أدّت إصلاحات مثل منح المرأة حق التصويت إلى نفور المسلمين التقليديين.
وبحسب تقارير منظمة العفو الدولية، فقد امتد مناخ الرعب هذا حتى إلى الطلاب الإيرانيين المقيمين خارج البلاد، حيث خصّص السافاك عددًا مقلقًا من العملاء للتجسس على نحو 30,000 طالب إيراني في الولايات المتحدة، ما يعكس جنون الارتياب لدى الشاه ومدى سعيه للسيطرة على أي معارضة محتملة. كما أشارت تقارير العفو الدولية إلى أساليب تعذيب لا توصف استخدمها السافاك، شملت الصدمات الكهربائية، وضخّ الماء المغلي في المستقيم، والاغتصاب بواسطة زجاجات مكسورة، واقتلاع الأظافر والأسنان.
علاوة على ذلك، بعد عام 1972، كان يُؤخذ الأشخاص الذين يُعتبرون معتقلين سياسيين إلى محاكم عسكرية سرّية، حيث كانت تُحدَّد براءتهم أو إدانتهم بناءً على الأدلة التي جمعتها السافاك فقط، ولم يكن للمتهمين حق توكيل محامٍ.
وكان استثناءً من ذلك ابن عزيز، مهدي، الذي اعتُقل في عام 1972.

قالت عزيز، وهي ترتجف من وقع ذكرى رؤيتها لابنها في تلك الحالة: «كانوا يمددونه على طاولة معدنیة، ويسخّنون أسفلها حتى يحترق المعدن ويُلهب جلده. كما أنّهم اقتلعوا أظافره أيضًا».
وقد أكدت تقارير منظمة العفو الدولية استخدام مثل هذه الأساليب.
تابعت عزيز قائلة إن مهدي، بعد ثلاثة أشهر، تمكّن من خداع السافاك ودفعهم إلى عقد محاكمته بشكل علني – وهو أمر نادر – بعدما وعدهم بأنه سيتحدّث ضد منظمة مجاهدي خلق، ما اعتبره النظام مادة دعائية مفيدة. لكنّه فعل العكس تمامًا؛ إذ كشف عن المعاملة الوحشية التي تعرّض لها، وأعلن التزامه بالدفاع عن الفقراء في بلد تحكمه مظاهر البذخ المفرط. وكان بين الحضور صحفيون أجانب، مما زاد من غضب حكومة الشاه.
لذلك تعرّض مهدي لتعذيب أشد.
تتذكر عزيز أنه في آخر مرة احتضنت فيها ابنها النحيف، قال لها: «ليكن الله عونك، وأنا فخور بك». وقد أُعدم مهدي رميًا بالرصاص لاحقًا. كان عمره 19 عامًا.

aziz-reazaeiتحوّل منزل عزيز بطريقة ما إلى مركز يحتضن جميع العائلات التي سُجن أو قُتل أحباؤها على يد قوات الشاه، موفّرًا لهم بصيص أمل وسكينة جماعية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ جميع أفراد أسرة عزيز تقريبًا قضوا فترات في السجون خلال عهد الشاه، بمن فيهم عزيز نفسها، التي سجنتها شرطة شافه السرية (السافاك) من عام 1975 إلى 1977. تعرّضت خلالها للجلد المتكرر، والتعليق من الكاحلين، والحبس الانفرادي، ومحاكمة سرية انتهت بالحكم عليها بالسجن لثلاث سنوات. وكان زوجها أيضًا معتقلاً في نفس الفترة.
تتذكر عزيز قائلة: «كان الحارس يضع حذاءه العسكري في فمي، ويقف على رقبتي ليخنقني».
ثم عرضت قدميها العاريتين اللتين ما زالتا مليئتين بالجروح.
وتابعت: «كنت أسمع صرخات أشخاص تُبتر أعضاؤهم – خاصة أصابعهم. كانوا (الحراس) يضربوننا ويعلقوننا من أقدامنا، ثم يرغموننا على الجري على أرض متجمدة لتخفيف التورم، حتى يتمكنوا من ضربنا مجددًا».
كان الشاه في مقابلاته كثيرًا ما يصف جميع المعتقلين السياسيين بأنهم “إرهابيون”، ولم ينكر استخدام التعذيب في بلاده. ففي مقابلة أجراها عام 1976 مع صحيفة لوموند الفرنسية، برّر الشاه التعذيب مدعيًا أن هذه الأساليب – بما في ذلك تقنيات نفسية لاستخلاص الحقيقة – تم تعلمها واقتباسها من الأوروبيين…
رغم كلّ شيء، فإنّ شهادة عزيز بشأن تعرّضها للتعذيب وسجنها تُقدّم نظرة نادرة على ما يصفه النشطاء بأنه حقبة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران، وهي حقبة غالبًا ما تُهمَّش لصالح التركيز على النظام التالي الذي لا يقلّ وحشية.
تستذكر عزيز بلدًا لم تكن فيه حرية تعبير، وهو ما دفعها – كما دفع كثيرين من الإيرانيين – إلى الريادة في ثورة أطاحت في النهاية بالشاه عن الحكم.
لكن، النظام الذي تأسس في 11 شباط / فبراير 1979 كأول جمهورية إسلامية في العالم، سرعان ما حطّم آمال الإيرانيين في حياة أفضل…
في إحدى الحوادث، وبعد وقت قصير من الانقلاب، دُعيت عزيز – التي كانت تُعرف في أوساط طهران بوجهها الأمومي – إلى منزل آية الله الذي تسلّم السلطة حديثًا. وتدّعي أن الرجال المحيطين به أرادوا «الانتقام» من الشرطة السرية التي قتلت أبناءها، لكنها عارضت ذلك لعدم وجود محاكمة عادلة. ووفقًا لروايتها، لم ينبس خميني ببنت شفة، بل اتّخذ وجهه تعبيرًا جامدًا.
بالنسبة إلى عزيز وعائلتها، فقد بدأت المعاناة من جديد. وبحلول عام 1980، بدأ النظام الجديد بحملات اعتقال وإعدام جماعيّة لأعضاء مجاهدي خلق.
وفي 8 شباط / فبراير 1982، قُتلت ابنتها آذر، ذات العشرين عامًا، والتي كانت حاملاً في شهرها السادس بطفلها الأول، خلال هجوم لقوات الحرس إلى جانب ثمانية عشر شخصًا آخرين…
منظمة مجاهدي خلق – التي يعيش أعضاؤها حاليًا في المنفى، خصوصًا في فرنسا وألبانيا – ما تزال تُعتبر «المنظمة الإرهابية» رقم واحد على رادار النظام في طهران، وذلك بسبب استمرارها في الدعوة إلى إسقاط حكومة آية الله خامنئي…
ومع ذلك، بالنسبة للناجين أمثال عزيز، يبدو أنّ المجتمع الدولي قد أغمض عينيه فعليًّا عن هذه الفظائع، سواء في عهد الشاه أو في عهد آية الله…
لكن، وفي سنواتها الأخيرة، بقيت عزيز رمزًا لا يلين للمقاومة – متشبّثة بالأمل في حدوث تغيير حقيقي.
أقسمت عزيز قائلة: «كان خميني الوريث بلا منازع للشاه، وأتمّ الجرائم التي تركها الشاه غير مكتملة. إنهم من قماش واحد. إذا توقفت القوى الغربية عن دعم هذا النظام، وتوقفت عن غضّ الطرف عن انتهاكاته في الداخل والخارج، فسيحدث التغيير.
حركة الحرية في إيران لم تمت. إنها قوية، حية، وسنمضي قُدمًا».

هولي ماکي صحفية دولية متخصصة في شؤون الحروب والقضايا الإنسانية، ومؤلفة كتب عدّة، منها:
«ابكِ فقط من أجل الأحياء: ملاحظات من داخل ساحة معركة داعش»،
«أفغانستان: نهاية الوجود الأميركي وصعود حكم طالبان»،
و«زوجة الديكتاتور».

تابعونا

مريم رجوي

President-elect of the National Council of Resistance of Iran

رئيسة الجمهورية المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لفترة انتقال السلطة إلى الشعب الإيراني

المزید